الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الفتاوى الهندية
.الْبَابُ الْحَادِي وَالثَّلَاثُونَ فِي الْقَضَاءِ عَلَى الْغَائِبِ وَالْقَضَاءِ الَّذِي يَتَعَدَّى إلَى غَيْرِ الْمَقْضِيِّ عَلَيْهِ وَقِيَامِ بَعْضِ أَهْلِ الْحَقِّ عَنْ الْبَعْضِ فِي إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ: ثُمَّ سَوَّى الشَّيْخُ الْإِمَامُ الْمَعْرُوفُ بِخُوَاهَرْ زَادَهْ بَيْنَمَا إذَا كَانَ الْمُدَّعَى عَلَى الْغَائِبِ وَالْحَاضِرِ شَيْئَيْنِ وَبَيْنَمَا إذَا كَانَ الْمُدَّعَى شَيْئًا وَاحِدًا فَتُشْتَرَطُ السَّبَبِيَّةُ لِانْتِصَابِ الْحَاضِرِ خَصْمًا عَنْ الْغَائِبِ فِي الْفَصْلَيْنِ جَمِيعًا وَذَكَرَ الْقَاضِي الْإِمَامُ أَبُو زَيْدٍ فِي كَشْفِ الْمُشْكَلِ وَعَامَّةُ الْمَشَايِخِ فِي شُرُوحِهِمْ أَنَّ السَّبَبِيَّةَ تُشْتَرَطُ فِيمَا إذَا كَانَ الْمُدَّعَى شَيْئَيْنِ، وَهُوَ الْأَشْبَهُ. وَالْأَقْرَبُ إلَى الْفِقْهِ بَيَانُ هَذَا الْأَصْلِ فِيمَا إذَا كَانَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِمَا وَاحِدًا. إذَا ادَّعَى رَجُلٌ دَارًا فِي يَدِ رَجُلٍ أَنَّهَا دَارُهُ اشْتَرَاهَا مِنْ فُلَانٍ الْغَائِبِ، وَهُوَ يَمْلِكُهَا، وَقَدْ غَصَبَهَا ذُو الْيَدِ مِنِّي، وَقَالَ ذُو الْيَدِ: الدَّارُ دَارِي فَأَقَامَ الْمُدَّعِي بَيِّنَةً عَلَى دَعْوَاهُ قُبِلَتْ بَيِّنَتُهُ وَيَكُونُ ذَلِكَ قَضَاءً عَلَى الْحَاضِرِ وَالْغَائِبِ وَيَنْتَصِبُ الْحَاصِرُ خَصْمًا عَنْ الْغَائِبِ، أَمَّا عَلَى مَا ذَكَرَهُ شَيْخُ الْإِسْلَامِ فَلِأَنَّ الْمُدَّعَى عَلَى الْحَاضِرِ وَالْغَائِبِ شَيْءٌ وَاحِدٌ وَالْمُدَّعَى عَلَى الْغَائِبِ سَبَبٌ لِثُبُوتِ الْمُدَّعَى عَلَى الْحَاضِرِ لَا مَحَالَةَ، وَأَمَّا عَلَى مَا ذَكَرَهُ عَامَّةُ الْمَشَايِخِ فَلِأَنَّ الْمُدَّعَى عَلَى الْحَاضِرِ وَالْغَائِبِ شَيْءٌ وَاحِدٌ كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ. إذَا ادَّعَى رَجُلٌ أَنَّهُ كَفَلَ عَنْ فُلَانٍ بِمَا يَذُوبُ لَهُ عَلَيْهِ فَأَقَرَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِالْكَفَالَةِ وَأَنْكَرَ الْحَقَّ فَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ ذَابَ لَهُ عَلَى فُلَانٍ كَذَا فَإِنَّهُ يُقْضَى بِهَا فِي حَقِّ الْكَفِيلِ الْحَاضِرِ وَفِي حَقِّ الْغَائِبِ جَمِيعًا حَتَّى لَوْ حَضَرَ الْغَائِبُ وَأَنْكَرَ لَا يُلْتَفَتُ إلَى إنْكَارِهِ. إذَا ادَّعَى الشُّفْعَةَ فِي دَارٍ هِيَ فِي يَدِ إنْسَانٍ وَقَالَ ذُو الْيَدِ: الدَّارُ دَارِي مَا اشْتَرَيْتُهَا مِنْ أَحَدٍ فَأَقَامَ الْمُدَّعِي الْبَيِّنَةَ أَنَّ ذَا الْيَدِ اشْتَرَى هَذِهِ الدَّارَ مِنْ فُلَانٍ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ، وَهُوَ يَمْلِكُهَا، وَأَنَّهُ شَفِيعُهَا يُقْضَى بِالشِّرَاءِ فِي حَقِّ ذِي الْيَدِ وَالْغَائِبِ جَمِيعًا كَذَا فِي الْفُصُولِ الْعِمَادِيَّةِ. بَيَانُ هَذَا الْأَصْلِ. فِيمَا إذَا كَانَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِمَا شَيْئَيْنِ إذَا شَهِدَ شَاهِدَانِ لِرَجُلٍ عَلَى رَجُلٍ بِحَقٍّ مِنْ الْحُقُوقِ فَقَالَ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ: هُمَا عَبْدَانِ لِفُلَانٍ الْغَائِبِ فَأَقَامَ الْمَشْهُودُ لَهُ بَيِّنَةً أَنَّ فُلَانًا الْغَائِبَ أَعْتَقَهُمَا، وَهُوَ يَمْلِكُهُمَا فَإِنَّهُ تُقْبَلُ هَذِهِ الْبَيِّنَةُ وَيَثْبُتُ الْعِتْقُ فِي حَقِّ الْحَاضِرِ وَالْغَائِبِ جَمِيعًا. وَالْمُدَّعَى شَيْئَانِ الْمَالُ عَلَى الْحَاضِرِ وَالْعِتْقُ عَلَى الْغَائِبِ إلَّا أَنَّ الْمُدَّعَى عَلَى الْغَائِبِ سَبَبٌ لِثُبُوتِ الْمُدَّعَى عَلَى الْحَاضِرِ لَا مَحَالَةَ؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ لَا يَنْفَكُّ عَنْ ثُبُوتِ وِلَايَةِ الشَّهَادَةِ بِحَالٍ فَصَارَ الشَّيْءُ وَاحِدًا مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى فَيَنْتَصِبُ الْحَاضِرُ خَصْمًا وَيُقْضَى بِالْعِتْقِ فِي حَقِّ الْحَاضِرِ وَالْغَائِبِ جَمِيعًا كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ. إذَا قَذَفَ مُحْصَنًا حَتَّى وَجَبَ عَلَيْهِ الْحَدُّ فَقَالَ الْقَاذِفُ: أَنَا عَبْدٌ وَعَلَيَّ نِصْفُ حَدِّ الْقَذْفِ وَقَالَ الْمَقْذُوفُ: لَا، بَلْ أَعْتَقَكَ مَوْلَاكَ وَلِي عَلَيْكَ حَدُّ الْأَحْرَارِ وَأَقَامَ بَيِّنَةً عَلَى ذَلِكَ تُقْبَلُ وَيُقْضَى بِالْعِتْقِ حَقِّ فِي الْحَاضِرِ وَالْغَائِبِ حَتَّى لَوْ حَضَرَ الْغَائِبُ وَأَنْكَرَ الْعِتْقَ لَا يُلْتَفَتُ إلَى إنْكَارِهِ، وَإِنْ ادَّعَى شَيْئَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ؛ لِأَنَّهُ ادَّعَى عَلَى الْحَاضِرِ حَدًّا كَامِلًا، وَعَلَى الْغَائِبِ الْعِتْقَ لَكِنْ لَمَّا كَانَ الْعِتْقُ سَبَبًا لِثُبُوتِ مَا يُدَّعَى عَلَى الْحَاضِرِ قُضِيَ بِالْبَيِّنَةِ فِي حَقِّ الْحَاضِرِ وَالْغَائِبِ جَمِيعًا. وَإِذَا قُتِلَ رَجُلٌ عَمْدًا وَلَهُ وَلِيَّانِ أَحَدُهُمَا غَائِبٌ فَادَّعَى الْحَاضِرُ عَلَى الْقَاتِلِ أَنَّ الْغَائِبَ عَفَا عَنْ نَصِيبِهِ وَانْقَلَبَ نَصِيبِي مَالًا وَأَنْكَرَ الْقَاتِلُ فَأَقَامَ الْمُدَّعِي الْبَيِّنَةَ عَلَى ذَلِكَ تُقْبَلُ وَيُقْضَى بِهَا فِي حَقِّ الْحَاضِرِ وَالْغَائِبِ كَذَا فِي الْفُصُولِ الْعِمَادِيَّةِ. وَإِذَا كَانَ الْمُدَّعَى شَيْئَيْنِ إلَّا أَنَّ الْمُدَّعَى عَلَى الْغَائِبِ لَيْسَ سَبَبًا لِثُبُوتِ الْمُدَّعَى عَلَى الْحَاضِرِ لَا مَحَالَةَ بَلْ قَدْ لَا يَكُونُ سَبَبًا- لَا يَنْتَصِبُ الْحَاضِرُ خَصْمًا عَنْ الْغَائِبِ. بَيَانُ هَذَا الْأَصْلِ فِي رَجُلٍ قَالَ لِامْرَأَةِ رَجُلٍ غَائِبٍ: إنَّ زَوْجَكِ فُلَانًا الْغَائِبَ وَكَّلَنِي أَنْ أَحْمِلَكِ إلَيْهِ فَقَالَتْ الْمَرْأَةُ إنَّهُ كَانَ قَدْ طَلَّقَنِي ثَلَاثًا وَأَقَامَتْ عَلَى ذَلِكَ بَيِّنَةً قُبِلَتْ بَيِّنَتُهَا فِي حَقِّ قَصْرِ يَدِ الْوَكِيلِ عَنْهَا لَا فِي حَقِّ إثْبَاتِ الطَّلَاقِ عَلَى الْغَائِبِ حَتَّى لَوْ حَضَرَ الْغَائِبُ وَأَنْكَرَ الطَّلَاقَ فَالْمَرْأَةُ تَحْتَاجُ إلَى إعَادَةِ الْبَيِّنَةِ كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ. جَاءَ رَجُلٌ إلَى عَبْدِ إنْسَانٍ وَقَالَ مَوْلَاكَ وَكَّلَنِي بِنَقْلِي إيَّاكَ إلَيْهِ فَبَرْهَنَ الْعَبْدُ عَلَى أَنَّهُ حَرَّرَهُ تُقْبَلُ فِي قَصْرِ يَدِ الْحَاضِرِ لَا فِي حَقِّ ثُبُوتِ الْعِتْقِ عَلَى الْمُوَكِّلِ فَلَوْ حَضَرَ الْغَائِبُ وَأَنْكَرَ لَا بُدَّ مِنْ إعَادَةِ الْبَيِّنَةِ كَذَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ. وَإِذَا كَانَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِمَا شَيْئَيْنِ، وَالْمُدَّعَى عَلَى الْغَائِبِ سَبَبٌ لِثُبُوتِ الْمُدَّعَى عَلَى الْحَاضِرِ بِاعْتِبَارِ الْبَقَاءِ لَا بِنَفْسِهِ لَا يُلْتَفَتُ إلَى دَعْوَى الْمُدَّعِي، وَلَا يُقْضَى بِبَيِّنَتِهِ لَا عَلَى الْحَاضِرِ، وَلَا عَلَى الْغَائِبِ. بَيَانُ هَذَا الْأَصْلِ رَجُلٌ اشْتَرَى مِنْ آخَرَ جَارِيَةً، ثُمَّ إنَّ الْمُشْتَرِيَ ادَّعَى أَنَّ الْبَائِعَ قَدْ كَانَ زَوَّجَهَا مِنْ فُلَانٍ الْغَائِبِ قَبْلَ أَنْ أَشْتَرِيَهَا، وَقَدْ اشْتَرَيْتُهَا، وَلَمْ أَعْلَمْ بِذَلِكَ وَأَنْكَرَ الْبَائِعُ دَعْوَاهُ فَأَقَامَ عَلَى ذَلِكَ بَيِّنَةً يُرِيدُ رَدَّ الْجَارِيَةِ فَالْقَاضِي لَا يَقْبَلُ هَذِهِ الْبَيِّنَةَ لَا عَلَى الْحَاضِرِ، وَلَا عَلَى الْغَائِبِ؛ لِأَنَّ الْمُدَّعَى شَيْئَانِ النِّكَاحُ عَلَى الْغَائِبِ وَالرَّدُّ عَلَى الْحَاضِرِ، وَالْمُدَّعَى عَلَى الْغَائِبِ مِنْ النِّكَاحِ نَفْسِهِ لَيْسَ بِسَبَبٍ لِمَا يَدَّعِيه عَلَى الْحَاضِرِ مِنْ غَيْرِ اعْتِبَارِ الْبَقَاءِ فَإِنَّ الْبَائِعَ لَوْ كَانَ زَوَّجَهَا، ثُمَّ إنَّ الزَّوْجَ طَلَّقَهَا لَا يَكُونُ لِلْمُشْتَرِي الرَّدُّ، وَإِنَّمَا السَّبَبُ بَقَاءُ النِّكَاحِ إلَى حَالَةِ الرَّدِّ، وَلَمْ يُقِمْ الْبَيِّنَةَ عَلَى الْبَقَاءِ، وَلَوْ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَى الْبَقَاءِ لَا تُقْبَلُ أَيْضًا، وَلَا يُقْضَى بِالرَّدِّ؛ لِأَنَّ الْبَقَاءَ تَبَعٌ لِلِابْتِدَاءِ، فَإِذَا لَمْ يُمْكِنْ أَنْ يُجْعَلَ خَصْمًا فِي نَفْسِ النِّكَاحِ لَمْ يُمْكِنْ أَنْ يُجْعَلَ خَصْمًا فِي إثْبَاتِ الْبَقَاءِ، وَكَذَا الْمُشْتَرِي شِرَاءً فَاسِدًا إذَا أَقَامَ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ بَاعَ مِنْ فُلَانٍ الْغَائِبِ يُرِيدُ إبْطَالَ حَقِّ الْبَائِعِ فِي الِاسْتِرْدَادِ لَا تُقْبَلُ بَيِّنَتُهُ لَا فِي حَقِّ الْحَاضِرِ وَلَا فِي حَقِّ الْغَائِبِ. وَكَذَلِكَ لَوْ أَنَّ رَجُلًا فِي يَدَيْهِ دَارٌ بِيعَتْ بِجَنْبِهَا دَارٌ فَأَرَادَ الَّذِي فِي يَدَيْهِ الدَّارُ أَنْ يَأْخُذَ الْمُشْتَرَاةَ بِالشُّفْعَةِ فَقَالَ الْمُشْتَرِي لِلشَّفِيعِ: الدَّارُ الَّتِي فِي يَدَيْكَ لَيْسَتْ بِدَارٍ لَكَ إنَّمَا هِيَ لِفُلَانٍ وَأَقَامَ الشَّفِيعُ الْبَيِّنَةَ أَنَّ الدَّارَ الَّتِي فِي يَدَيْهِ. دَارُهُ اشْتَرَاهَا مِنْ فُلَانٍ الْغَائِبِ لَا يُقْضَى بِالشِّرَاءِ لَا فِي حَقِّ الْحَاضِرِ، وَلَا فِي حَقِّ الْغَائِبِ. ذَكَرَ فِي طَلَاقِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ رَجُلٌ قَالَ لِامْرَأَتِهِ إنْ طَلَّقَ فُلَانٌ امْرَأَتَهُ فَأَنْت طَالِقٌ، ثُمَّ امْرَأَةُ الْحَالِفِ ادَّعَتْ عَلَى الْحَالِفِ أَنَّ فُلَانًا طَلَّقَ امْرَأَتَهُ وَفُلَانٌ غَائِبٌ وَأَقَامَتْ الْمَرْأَةُ الْبَيِّنَةَ لَا تُقْبَلُ مِنْهَا هَذِهِ الْبَيِّنَةُ، وَلَا يُحْكَمُ بِوُقُوعِ الطَّلَاقِ عَلَيْهَا، وَقَدْ أَفْتَى بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ بِقَبُولِ هَذِهِ الْبَيِّنَةِ وَبِوُقُوعِ الطَّلَاقِ عَلَيْهَا، فَإِنْ قِيلَ: أَلَيْسَ أَنَّهُ لَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ إنْ دَخَلَ فُلَانٌ الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ، ثُمَّ إنَّ الْمَرْأَةَ أَقَامَتْ الْبَيِّنَةَ أَنَّ فُلَانًا دَخَلَ وَفُلَانٌ غَائِبٌ تُقْبَلُ هَذِهِ الْبَيِّنَةُ وَيُحْكَمُ بِوُقُوعِ الطَّلَاقِ عَلَيْهَا؟ قُلْنَا: ذَلِكَ لَيْسَ بِقَضَاءٍ عَلَى الْغَائِبِ إذْ لَيْسَ فِيهِ إبْطَالُ حَقٍّ عَلَى الْغَائِبِ بِخِلَافِ مَسْأَلَةِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ قَضَاءٌ عَلَى الْغَائِبِ؛ لِأَنَّ فِيهِ إبْطَالُ نِكَاحِ الْغَائِبِ وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْإِنْسَانَ إذَا أَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَى شَرْطِ حَقِّهِ بِإِثْبَاتِ فِعْلٍ عَلَى الْغَائِبِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ إبْطَالُ حَقِّ الْغَائِبِ تُقْبَلُ هَذِهِ الْبَيِّنَةُ وَيَنْتَصِبُ خَصْمًا عَنْ الْغَائِبِ، وَإِنْ كَانَ فِيهِ إبْطَالُ حَقِّ الْغَائِبِ أَفْتَى بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ أَنَّهُ تُقْبَلُ الْبَيِّنَةُ وَيُقْضَى عَلَى الْحَاضِرِ وَالْغَائِبِ جَمِيعًا. وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا تُقْبَلُ هَذِهِ الْبَيِّنَةُ، وَلَا يَنْتَصِبُ الْحَاضِرُ خَصْمًا عَنْ الْغَائِبِ وَبِهِ كَانَ يُفْتِي ظَهِيرُ الدِّينِ- رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى-، وَمَسْأَلَةُ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ تَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ هَذَا الْقَوْلِ وَمَا يَفْعَلُهُ الْوُكَلَاءُ عَلَى بَابِ الْقُضَاةِ الْيَوْمَ مِنْ إثْبَاتِ الْبَيْعِ أَوْ الْوَقْفِ، أَوْ الطَّلَاقِ عَلَى الْغَائِبِ بِجَعْلِهِ شَرْطًا لِوَكَالَةِ الْحَاضِرِ، وَصُورَتُهُ أَنْ يَقُولَ زَيْدٌ مَثَلًا لِجَعْفَرٍ: إنْ كَانَ عَمْرٌو مَثَلًا بَاعَ دَارِهِ، أَوْ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ، أَوْ وَقَفَ ضِيَاعَهُ عَلَى سَبِيلِ كَذَا فَأَنْتَ وَكِيلِي فِي إثْبَاتِ حُقُوقِي عَلَى النَّاسِ. وَالْخُصُومَةِ فِيهَا وَقَبْضِهَا، ثُمَّ إنَّ جَعْفَرًا أَحْضَرَ رَجُلًا يَدَّعِي عَلَيْهِ مَالًا وَيَدَّعِي أَنَّ زَيْدًا قَدْ وَكَّلَهُ بِقَبْضِ حُقُوقِهِ عَلَى النَّاسِ وَإِثْبَاتِهَا وَالْخُصُومَةِ فِيهَا وَالْوَكَالَةُ مُعَلَّقَةٌ بِشَرْطٍ كَائِنٍ، وَهُوَ بَيْعُ عَمْرٍو ضِيَاعَهُ مِنْ فُلَانٍ، أَوْ طَلَاقُ عَمْرٍو امْرَأَتَهُ، وَأَنَّ عَمْرًا قَدْ كَانَ بَاعَ ضِيَاعَهُ، أَوْ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ قَبْلَ تَوْكِيلِ زَيْدٍ إيَّايَ. وَقَدْ صِرْت وَكِيلًا عَنْ زَيْدٍ بِالْخُصُومَةِ فِي حُقُوقِهِ وَقَبْضِهَا، وَأَنَّ لِزَيْدٍ عَلَيْكَ كَذَا وَكَذَا، فَيَقُولُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لِجَعْفَرٍ: إنَّ زَيْدًا قَدْ كَانَ وَكَّلَكَ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي قُلْتَ، إنِّي لَا أَعْلَمُ أَنَّ هَذَا الشَّرْطَ هَلْ كَانَ؟ وَهَلْ صِرْتَ أَنْتَ وَكِيلًا؟ فَيُقِيمُ جَعْفَرٌ الْبَيِّنَةَ عَلَى بَيْعِ عَمْرٍو دَارِهِ، أَوْ عَلَى طَلَاقِ امْرَأَتِهِ فَيَقْضِي الْقَاضِي بِالْبَيْعِ عَلَى عَمْرٍو وَوَكَالَةِ الْحَاضِرِ فَهَذَا فَتْوَى بَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ أَيْضًا، وَالْأَصَحُّ أَنَّ هَذِهِ الْبَيِّنَةَ لَا تُقْبَلُ لِمَا ذُكِرَ فِي الْجَامِعِ الْأَصْغَرِ؛ لِأَنَّ فِيهِ إبْطَالَ حَقِّ الْغَيْرِ كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ. إذَا كَفَلَ رَجُلٌ عَنْ رَجُلٍ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ وَغَابَ الْمَكْفُولُ عَنْهُ وَادَّعَى الْكَفِيلُ عَلَى الطَّالِبِ أَنَّ الْأَلْفَ الَّذِي كُفِلْتَ بِهِ عَنْ فُلَانٍ ثَمَنُ خَمْرٍ، وَقَالَ الطَّالِبُ: لَا، بَلْ كَانَ ثَمَنَ عَبْدٍ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الطَّالِبِ، فَإِنْ أَرَادَ الْكَفِيلُ أَنْ يُقِيمَ بَيِّنَةً عَلَى الطَّالِبِ بِذَلِكَ لَا تُقْبَلُ بَيِّنَتُهُ، وَلَا يَنْتَصِبُ الطَّالِبُ خَصْمًا لَهُ فِي ذَلِكَ بِخِلَافِ مَا لَوْ كَانَ الْمَطْلُوبُ حَاضِرًا وَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَى الطَّالِبِ عَلَى أَنَّ الْأَلْفَ الَّذِي يُدَّعَى عَلَيَّ مِنْ ثَمَنِ خَمْرٍ حَيْثُ قُبِلَتْ بَيِّنَتُهُ كَذَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة. وَلَوْ أَنَّ رَجُلَيْنِ عَلَيْهِمَا أَلْفُ دِرْهَمٍ لِرَجُلٍ وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كَفِيلٌ عَنْ صَاحِبِهِ، ثُمَّ جَحَدَ الْمَالَ فَأَقَامَ الْمُدَّعِي الْبَيِّنَةَ عَلَى أَحَدِهِمَا بِالْمَالِ وَقَضَى الْقَاضِي عَلَيْهِ بِالْمَالِ وَالْكَفَالَةِ فَلَمْ يَأْخُذْ الطَّالِبُ شَيْئًا حَتَّى غَابَ، ثُمَّ قَدِمَ الْآخَرُ فَإِنَّ الْقَاضِيَ يَقْضِي عَلَيْهِ بِتِلْكَ الْبَيِّنَةِ بِخَمْسِمِائَةٍ كَانَتْ عَلَيْهِ كَذَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ. وَفِي نَوَادِرِ ابْنِ سِمَاعَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ- رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى- رَجُلٌ ادَّعَى عَلَى رَجُلٍ أَلْفَ دِرْهَمٍ لِنَفْسِهِ وَلِغَائِبٍ مِنْ ثَمَنِ عَبْدٍ، أَوْ ثَوْبٍ بَاعَاهُ وَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ- رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى-: يَقْضِي بِنَصِيبِ الْحَاضِرِ دُونَ الْغَائِبِ حَتَّى لَوْ حَضَرَ الْغَائِبُ كُلِّفَ إعَادَةَ الْبَيِّنَةِ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ- رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى-: يُقْضَى بِنَصِيبِ الْحَاضِرِ وَالْغَائِبِ جَمِيعًا قَالَ صَاحِبُ شَرْحِ الْأَقْضِيَةِ وَذُكِرَ بَعْدَ هَذَا مَا يَدُلُّ عَلَى رُجُوعِ أَبِي يُوسُفَ- رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى- إلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ- رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى- فِي الظَّاهِرِ، وَعَلَى مَا عَلَيْهِ عَامَّةُ الرِّوَايَاتِ مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ- رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى- وَذُكِرَ فِي الْمُنْتَقَى قَوْلُ مُحَمَّدٍ- رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى- مَعَ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ- رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى- قَالَ فِي الْمُنْتَقَى: وَإِنْ كَانَ الْأَلْفُ مِيرَاثًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْغَائِبِ لَا يُكَلَّفُ الْغَائِبُ إعَادَةَ الْبَيِّنَةِ إذَا حَضَرَ بِلَا خِلَافٍ. ثُمَّ عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ- رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى- عَلَى مَا ذُكِرَ فِي الْمُنْتَقَى إذَا حَضَرَ الْغَائِبُ وَصَدَّقَ الْحَاضِرَ فِيمَا ادَّعَى كَانَ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ يُشَارِكُ الْمُدَّعِي فِيمَا قَبَضَ، ثُمَّ يَتْبَعَانِ الْمَطْلُوبَ، وَإِنْ شَاءَ اتَّبَعَ الْمَطْلُوبَ وَيَأْخُذُ نَصِيبَهُ مِنْهُ، وَإِنْ لَمْ يَحْضُرْ الْغَائِبُ حَتَّى رَجَعَ الشَّاهِدَانِ عَنْ شَهَادَتِهِمَا فَإِنَّ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ- رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى- يَبْطُلُ حَقُّ الْغَائِبِ، وَلَا يُقْضَى لَهُ بِشَيْءٍ، ثُمَّ يُشَارِكُ الْغَائِبُ إذَا حَضَرَ الْحَاضِرَ فِيمَا قَبَضَ، ثُمَّ إذَا شَارَكَهُ فَالْحَاضِرُ لَا يَرْجِعُ عَلَى الْمَطْلُوبِ بِشَيْءٍ. وَإِذَا ادَّعَى رَجُلٌ أَنَّهُ وَفُلَانًا الْغَائِبَ اشْتَرَيْنَا هَذِهِ الدَّارَ مِنْ هَذَا الرَّجُلِ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ وَنَقَدْنَا لَهُ الثَّمَنَ وَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَى ذَلِكَ فَعَلَى قِيَاسِ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ- رَحِمَهُ. اللَّهُ تَعَالَى- يُقْضَى لِلْحَاضِرِ بِنِصْفِ الدَّارِ، فَإِذَا قَدِمَ الْغَائِبُ كُلِّفَ إعَادَةَ الْبَيِّنَةِ، وَعَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ- رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى- يُقْضَى بِالدَّارِ كُلِّهَا لِلْحَاضِرِ وَالْغَائِبِ وَيُدْفَعُ إلَى الْحَاضِرِ نِصْفُ الدَّارِ وَيُوضَعُ النِّصْفُ الثَّانِي عَلَى يَدَيْ رَجُلٍ ثِقَةٍ قَالَ أَبُو يُوسُفَ- رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى-: وَلَا أَقْسِمُهَا حَتَّى يَحْضُرَ الْغَائِبُ، قَالَ فِي الْمُنْتَقَى: فَإِنْ قَدِمَ الْغَائِبُ وَجَحَدَ الشِّرَاءَ بَطَلَ نَصِيبُهُ مِنْ ذَلِكَ وَجَازَ نَصِيبُ الْحَاضِرِ وَقَالَ: هَذَا بِلَا خِلَافٍ. وَذَكَرَ أَصْلَ الْمَسْأَلَةِ فِي الْمُنْتَقَى عَلَى الْخِلَافِ وَذَكَرَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ فِي الْمَبْسُوطِ وَقَالَ تُقْبَلُ هَذِهِ الْبَيِّنَةُ فِي حَقِّ الْحَاضِرِ، وَلَا تُقْبَلُ فِي حَقِّ الْغَائِبِ، وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهَا خِلَافًا وَذَكَرَ الْخَصَّافُ- رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى- الْمَسْأَلَةَ عَلَى الْخِلَافِ عَلَى حَسَبِ مَا ذُكِرَ فِي الْمُنْتَقَى وَذَكَرْنَا أَنَّ عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ- رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى- يُنْزَعُ نَصِيبُ الْغَائِبِ مِنْ يَدِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، وَبَعْضُ مَشَايِخِنَا قَالُوا: هَذَا إذَا وَصَلَ الثَّمَنُ إلَى الْبَائِعِ كَمَا هُوَ مَوْضُوعُ الْمَسْأَلَةِ فَإِنَّ مَوْضُوعَ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ الْمُدَّعِيَ قَالَ: وَنَقَدْنَا لَهُ الثَّمَنَ، أَمَّا إذَا كَانَ لَمْ يَصِلْ لَا يُنْزَعُ وَبَعْضُهُمْ قَالُوا: نَقْدُ الثَّمَنِ يُحْتَاجُ إلَيْهِ لِلدَّفْعِ إلَى الْمُشْتَرِي وَنَحْنُ لَا نَدْفَعُهُ إلَى الْمُشْتَرِي بَلْ نَضَعُهُ عَلَى يَدِ الْعَدْلِ وَيَدُ الْعَدْلِ فِي الْحَبْسِ نَظِيرُ يَدِ الْبَائِعِ كَمَا أَنَّ يَدَ الْعَدْلِ فِي الرَّهْنِ نَظِيرُ يَدِ الْمُرْتَهِنِ فِي الْحَبْسِ كَذَا فِي الْمُحِيطِ. ذَكَرَ فِي دِيَاتِ الْمَبْسُوطِ أَنَّ أَحَدَ الْوَرَثَةِ إذَا أَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَى الْقِصَاصِ عَلَى رَجُلٍ يَثْبُتُ ذَلِكَ فِي حَقِّ جَمِيعِ الْوَرَثَةِ حَتَّى لَا يُكَلَّفَ بَقِيَّةُ الْوَرَثَةِ إقَامَةَ الْبَيِّنَةِ إذَا حَضَرُوا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ- رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى-، وَعَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ- رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى- يَثْبُتُ حَقُّ الْحَاضِرِ بِهَذِهِ الْبَيِّنَةِ، وَلَا يَثْبُتُ حَقُّ الْغَائِبِ حَتَّى يُكَلَّفَ الْغَائِبُ إذَا حَضَرَ إعَادَةَ الْبَيِّنَةِ كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ. وَذَكَرَ فِي دَعْوَى الْمَبْسُوطِ: دَارٌ فِي يَدِ رَجُلٍ أَقَامَ رَجُلٌ الْبَيِّنَةَ أَنَّ أَبَاهُ مَاتَ وَتَرَكَ هَذِهِ الدَّارَ مِيرَاثًا لَهُ وَلِأَخِيهِ فُلَانٍ لَا وَارِثَ لَهُ غَيْرَهُمَا وَأَخُوهُ غَائِبٌ فَإِنَّ الْقَاضِيَ يَقْضِي بِحِصَّةِ الْحَاضِرِ وَيَنْزِعُ نَصِيبَهُ مِنْ يَدِهِ وَيُسَلِّمُهُ إلَيْهِ، وَأَمَّا نَصِيبُ الْغَائِبِ فَيُتْرَكُ فِي يَدِ ذِي الْيَدِ حَتَّى يَحْضُرَ الْغَائِبُ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ- رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى-، وَعَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ- رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى- إنْ كَانَ صَاحِبُ الْيَدِ مُنْكِرًا كَمَا هُوَ مَوْضُوعُ الْمَسْأَلَةِ حَتَّى اُحْتِيجَ إلَى إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ يُخْرِجُ نَصِيبَ الْغَائِبِ مِنْ يَدِهِ وَيَضَعُهُ عَلَى يَدِ عَدْلٍ، وَإِنْ كَانَ مُقِرًّا يُتْرَكُ نَصِيبُ الْغَائِبِ فِي يَدَيْهِ، فَإِنْ تُرِكَ نَصِيبُ الْغَائِبِ فِي يَدَيْ ذِي الْيَدِ، ثُمَّ حَضَرَ الْغَائِبُ هَلْ يُكَلَّفُ إعَادَةَ الْبَيِّنَةِ لَمْ يَذْكُرْ مُحَمَّدٌ- رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى- هَذَا الْفَصْلَ فِي كِتَابِ الدَّعْوَى وَاخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ- رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى- فِيهِ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ- رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى- مِنْهُمْ مَنْ قَالَ يُكَلِّفُهُ إعَادَةَ الْبَيِّنَةِ كَمَا فِي مَسْأَلَةِ الْقِصَاصِ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ لَا يُكَلِّفُهُ إعَادَةَ الْبَيِّنَةِ وَجَعَلَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ عَلَى الْوِفَاقِ، وَهُوَ الصَّحِيحُ، وَقِيلَ: مَسْأَلَةُ دَعْوَى الدَّيْنِ بِالْإِرْثِ تَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ عَلَى الْخِلَافِ أَيْضًا كَمَسْأَلَةِ الْقِصَاصِ وَصَاحِبُ الْأَقْضِيَةِ ذَكَرَهَا مُطْلَقَةً مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ خِلَافٍ وَلَكِنَّ هَذَا لَيْسَ بِصَحِيحٍ. وَمِنْ جِنْسِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ. مَسْأَلَةُ الْهِبَةِ وَصُورَتُهَا رَجُلٌ ادَّعَى عَلَى رَجُلٍ أَنَّهُ وَهَبَ لَهُ هِبَةً وَلِفُلَانٍ الْغَائِبِ وَسَلَّمَهَا إلَيْهِمَا، فَإِنْ كَانَ الْمَوْهُوبُ شَيْئًا لَا يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ صَحَّتْ هَذِهِ الدَّعْوَى وَقُبِلَتْ بَيِّنَتُهُ فِي حَقِّ الْحَاضِرِ دُونَ الْغَائِبِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ- رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى- وَعَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ- رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى- تُقْبَلُ بَيِّنَتُهُ فِي حَقِّ الْغَائِبِ أَيْضًا كَمَا فِي الشِّرَاءِ، وَإِنْ كَانَ الْمَوْهُوبُ شَيْئًا يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ بِأَنْ كَانَ دَارًا لَمْ تَصِحَّ هَذِهِ الدَّعْوَى عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ- رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى-: لِأَنَّ عِنْدَهُ هِبَةَ الدَّارِ مِنْ رَجُلَيْنِ فَاسِدَةٌ، وَعِنْدَهُمَا هِبَةُ الدَّارِ مِنْ رَجُلَيْنِ صَحِيحَةٌ فَتَصِحُّ هَذِهِ الدَّعْوَى وَمَنْ هَذَا الْجِنْسِ. مَسْأَلَةُ الرَّهْنِ وَصُورَتُهَا رَجُلٌ ادَّعَى عَلَى رَجُلٍ أَنِّي وَفُلَانًا الْغَائِبَ ارْتَهَنَّا مِنْ هَذَا الرَّجُلِ الدَّارَ الَّتِي فِي يَدَيْهِ بِدَيْنٍ لَنَا عَلَيْهِ، ثُمَّ إنَّهُ اسْتَوْلَى عَلَيْهَا وَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَى ذَلِكَ فَعَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ- رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى- لَا تُقْبَلُ هَذِهِ الْبَيِّنَةُ؛ لِأَنَّ عِنْدَهُ إنَّمَا تُقْبَلُ الْبَيِّنَةُ فِي نَصِيبِ الْحَاضِرِ لَا غَيْرَ، وَذَلِكَ مُتَعَذِّرٌ هَاهُنَا؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ رَهْنَ الْمُشَاعِ وَرَهْنُ الْمُشَاعِ لَا يَجُوزُ وَمَا يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ وَمَا لَا يَحْتَمِلُ فِيهِ عَلَى السَّوَاءِ، وَمِنْ هَذَا الْجِنْسِ. مَسْأَلَةُ الْوَصِيَّةِ وَصُورَتُهَا رَجُلٌ مَاتَ وَأَوْصَى بِوَصَايَا شَتَّى لِأُنَاسٍ مُخْتَلِفِينَ فِي كِتَابِ الْوَصِيَّةِ فَحَضَرَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ مِمَّنْ أَوْصَى لَهُ وَقَدَّمَ بَعْضَ الْوَرَثَةِ وَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَى الْوَصِيَّةِ فَعَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ- رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى- يُقْضَى بِنَصِيبِ الْحَاضِرِ دُونَ الْغَائِبِ، وَعَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ- رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى- يُقْضَى بِجَمِيعِ الْوَصِيَّةِ حَتَّى إذَا حَضَرَ الْغَائِبُ لَا يُكَلَّفُ إعَادَةَ الْبَيِّنَةِ ثَانِيًا. ذَكَرَ فِي كِتَابِ الْأَقْضِيَةِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ- رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى- لَوْ أَنَّ رَجُلًا ادَّعَى عَلَى رَجُلَيْنِ مَالًا فِي صَكٍّ وَأَحَدُهُمَا حَاضِرٌ يَجْحَدُ وَالْآخَرُ غَائِبٌ وَأَقَامَ عَلَى ذَلِكَ بَيِّنَةً فَإِنَّ أَبَا حَنِيفَةَ- رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى- قَالَ: أَقْضِي بِالْمَالِ عَلَى الشَّاهِدِ وَالْغَائِبِ جَمِيعًا قَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيّ- رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى-: هَذَا الْجَوَابُ عَلَى أَصْلِ أَبِي حَنِيفَةَ- رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى- لَا يَسْتَقِيمُ؛ لِأَنَّ الْحَاضِرَ لَا يَنْتَصِبُ خَصْمًا عَنْ الْغَائِبِ عِنْدَهُ فِي جِنْسِ هَذِهِ الْمَسَائِلِ، قَالَ الْمُصَنِّفُ: وَرَأَيْتُ فِي الْمُنْتَقَى عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ- رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى- أَنَّهُ قَالَ: أَقْضِي عَلَى الْحَاضِرِ بِنِصْفِ الْمَالِ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ- رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى-: أَقْضِي عَلَى الْحَاضِرِ وَالْغَائِبِ بِجَمِيعِ الْمَالِ. وَاعْلَمْ أَنَّ مُحَمَّدًا- رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى- ذَكَرَ هَذِهِ الْمَسَائِلَ فِي الْمَبْسُوطِ وَأَجَابَ فِي الْكُلِّ عَلَى نَمَطٍ وَاحِدٍ أَنَّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ- رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى- الْقَضَاءُ عَلَى الْحَاضِرِ وَلِلْحَاضِرِ، يَقْتَصِرُ عَلَيْهِ. وَصَاحِبُ الْأَقْضِيَةِ ذَكَرَ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ أَنَّ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ- رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى- يَقْتَصِرُ الْقَضَاءُ عَلَى الْحَاضِرِ وَذَكَرَ فِي بَعْضِهَا أَنَّهُ يَتَعَدَّى الْقَضَاءُ إلَى الْغَائِبِ، وَتَارَةً ذَكَرَ قَوْلَ أَبِي يُوسُفَ- رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى- مِثْلَ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ- رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى-، وَتَارَةً ذَكَرَ قَوْلَهُ بِخِلَافِ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ- رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى-، وَتَارَةً ذَكَرَ قَوْلَ مُحَمَّدٍ- رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى- مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ- رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى-، وَتَارَةً ذَكَرَ قَوْلَ مُحَمَّدٍ- رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى- مَعَ أَبِي يُوسُفَ- رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى- بِخِلَافِ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ- رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى-، فَكَانَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ- رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى- رِوَايَتَانِ فِي الْفُصُولِ. كُلِّهَا، وَكَذَا عَنْ أَبِي يُوسُفَ- رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى- رِوَايَتَانِ، وَكَذَا عَنْ مُحَمَّدٍ- رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى- رِوَايَتَانِ، وَأَمَّا الْفَرْقُ فَلَا وَجْهَ لَهُ. رَجُلٌ بَاعَ عَبْدًا مِنْ رَجُلَيْنِ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ عَلَى أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كَفِيلٌ عَنْ صَاحِبِهِ، ثُمَّ إنَّ الْبَائِعَ لَقِيَ أَحَدَ الرَّجُلَيْنِ وَأَقَامَ عَلَيْهِ الْبَيِّنَةَ أَنَّ لَهُ عَلَى هَذَا وَعَلَى فُلَانٍ الْغَائِبِ أَلْفَ دِرْهَمٍ وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كَفِيلٌ عَنْ صَاحِبِهِ بِأَمْرِهِ فَإِنَّهُ يُقْضَى لَهُ عَلَى الْحَاضِرِ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ، فَإِنْ حَضَرَ الْغَائِبُ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَأْخُذَهُ إلَّا بِخَمْسِمِائَةٍ وَهِيَ الْأَصْلِيَّةُ عَلَيْهِ، يُرِيدُ بِهِ أَنَّهُ إذَا حَضَرَ الْغَائِبُ قَبْلَ أَنْ يَأْخُذَ الْبَائِعُ مِنْ الْحَاضِرِ شَيْئًا لَا يَكُونُ لِلْبَائِعِ أَنْ يَأْخُذَ الَّذِي حَضَرَ إلَّا بِخَمْسِمِائَةٍ وَهِيَ الْأَصْلِيَّةُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْقَضَاءَ عَلَى كَفِيلِهِ بِهَا قَضَاءٌ عَلَيْهِ وَالْقَضَاءُ عَلَى الْمَكْفُولِ عَنْهُ لَا يَكُونُ قَضَاءً عَلَى الْكَفِيلِ كَذَا فِي الْمُحِيطِ. رَجُلٌ لَهُ عَلَى رَجُلٍ أَلْفُ دِرْهَمٍ وَبِهِ كَفِيلٌ بِأَمْرِهِ، ثُمَّ إنَّ الطَّالِبَ لَقِيَ الْأَصِيلَ قَبْلَ أَنْ يَلْقَى الْكَفِيلَ وَأَقَامَ عَلَيْهِ بَيِّنَةً أَنَّ لِي عَلَيْكَ أَلْفًا وَفُلَانٌ كَفِيلٌ بِهِ بِأَمْرِكَ فَإِنَّهُ يُقْضَى عَلَيْهِ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ، وَلَا يَكُونُ هَذَا قَضَاءً عَلَى الْكَفِيلِ حَتَّى لَوْ لَقِيَ الْكَفِيلَ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُ شَيْئًا قَبْلَ أَنْ يُعِيدَ الْبَيِّنَةَ عَلَيْهِ كَذَا فِي الْمُلْتَقَطِ. وَلَوْ لَقِيَ الْكَفِيلَ أَوَّلًا وَادَّعَى أَنَّ لِي عَلَى فُلَانٍ أَلْفًا وَأَنْتَ كَفِيلٌ بِهِ لِي عَنْهُ بِأَمْرِهِ وَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ يَثْبُتُ الْمَالُ عَلَيْهِ، وَعَلَى الْغَائِبِ وَيَنْتَصِبُ الْكَفِيلُ خَصْمًا عَنْ الْأَصِيلِ، أَمَّا الْأَصِيلُ فَلَا يَنْتَصِبُ خَصْمًا عَنْ الْكَفِيلِ كَذَا فِي الْفُصُولِ الْعِمَادِيَّةِ. وَلَوْ ادَّعَى رَجُلٌ عَلَى رَجُلٍ أَنَّكَ كَفَلْتَ لِي وَفُلَانٍ الْغَائِبِ عَنْ رَجُلٍ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْكُمَا كَفِيلٌ عَنْ صَاحِبِهِ وَأَقَامَ عَلَى ذَلِكَ بَيِّنَةً وَقُضِيَ عَلَيْهِ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ، ثُمَّ حَضَرَ الْغَائِبُ فَلَهُ أَنْ يَأْخُذَ الْغَائِبَ بِجَمِيعِ الْأَلْفِ؛ لِأَنَّهُ حِينَ قُضِيَ بِهِ عَلَى الْحَاضِرِ قُضِيَ بِهِ عَلَى أَنَّهُ كَفِيلٌ عَنْ الْمَطْلُوبِ وَعَنْ الْكَفِيلِ، أَلَا يُرَى أَنِّي لَوْ لَمْ أَجْعَلْهُ كَفِيلًا عَنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لَمْ يَكُنْ لَهُ إذَا أَدَّى أَنْ يَرْجِعَ بِهِ كُلِّهِ عَلَى الَّذِي عَلَيْهِ الْأَصْلُ؟. وَفِي نَوَادِرِ بِشْرِ بْنِ الْوَلِيدِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ- رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى- فِي رَجُلٍ ادَّعَى شِرَاءَ دَارٍ مِنْ نَفَرٍ، وَهِيَ فِي أَيْدِيهِمْ وَبَعْضُهُمْ حُضُورٌ وَبَعْضُهُمْ غُيَّبٌ وَالْحَاضِرُ مُقِرٌّ لِلْغَائِبِ بِنَصِيبِهِ جَاحِدٌ لِلْبَيْعِ فَأَقَامَ الْمُدَّعِي بَيِّنَةً عَلَى دَعْوَاهُ فَالْقَاضِي لَا يَقْضِي إلَّا عَلَى الْحَاضِرِ فِي حِصَّتِهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ- رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى-، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ- رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى- أَيْضًا هَذَا إذَا كَانَ الْحَاضِرُ مُقِرًّا بِنَصِيبِ الْغَائِبِ، وَإِنْ كَانَ جَاحِدًا نَصِيبَ الْغَائِبِ فَالْقَاضِي يَقْضِي بِالدَّارِ كُلِّهَا لِلْمُدَّعِي، وَإِذَا ادَّعَى هِبَةً، أَوْ صَدَقَةً، أَوْ رَهْنًا مِنْ رَجُلَيْنِ وَأَحَدُ الرَّجُلَيْنِ غَائِبٌ وَالدَّارُ فِي يَدِ الْحَاضِرِ وَأَقَامَ بَيِّنَةً عَلَى الْهِبَةِ وَالْقَبْضِ، أَوْ عَلَى الصَّدَقَةِ وَالْقَبْضِ أَوْ عَلَى الرَّهْنِ وَالْقَبْضِ- فَإِنَّ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ- رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى- لَا تُقْبَلُ هَذِهِ الْبَيِّنَةُ فِي فَصْلِ الرَّهْنِ؛ لِأَنَّ عِنْدَهُ الْقَضَاءَ يَقْتَصِرُ عَلَى نَصِيبِ الْحَاضِرِ، وَرَهْنُ الْمُشَاعِ بَاطِلٌ، فَأَمَّا فِي الْهِبَةِ، فَإِنْ كَانَ مِمَّا لَا يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ قُبِلَتْ بَيِّنَتُهُ فِي حَقِّ الْحَاضِرِ دُونَ الْغَائِبِ؛ لِأَنَّ الْقَضَاءَ بِنَصِيبِ الْحَاضِرِ هَاهُنَا مُمْكِنٌ؛ لِأَنَّ الشُّيُوعَ فِيهِ لَا يَمْنَعُ جَوَازَ الْهِبَةِ، وَأَمَّا عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ- رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى- فَفِي فَصْلِ الرَّهْنِ الْقَاضِي لَا يَقْبَلُ هَذِهِ الْبَيِّنَةَ أَصْلًا، وَفِي الْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ إنْ كَانَتْ الْهِبَةُ وَالصَّدَقَةُ مِمَّا لَا يُقَسَّمُ يَقْضِي عَلَى الْحَاضِرِ وَالْغَائِبِ جَمِيعًا حَتَّى إذَا حَضَرَ الْغَائِبُ لَا يُكَلَّفُ الْمُدَّعِي إعَادَةَ الْبَيِّنَةِ عَلَيْهِ وَيَقْضِي عَلَيْهِ بِتِلْكَ الْبَيِّنَةِ، وَإِنْ كَانَتْ الْهِبَةُ وَالصَّدَقَةُ مِمَّا يُقَسَّمُ فَالْقَاضِي يَقْضِي بِهِبَةِ الْكُلِّ وَلَكِنْ يُنَفِّذُ فِي النِّصْفِ فِي الْحَالِ، وَفِي النِّصْفِ الْآخَرِ يَتَوَقَّفُ إلَى أَنْ يَحْضُرَ الْغَائِبُ فَيُنَفِّذَ. عَلَيْهِ. قَالَ ابْنُ سِمَاعَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ- رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى-: رَجُلٌ ادَّعَى عَلَى رَجُلٍ مَالًا فَقَضَى الْقَاضِي لَهُ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِبَيِّنَةٍ أَقَامَهَا الْمُدَّعِي، ثُمَّ غَابَ الْمَقْضِيُّ عَلَيْهِ، أَوْ مَاتَ وَلَهُ وَرَثَةٌ وَلَهُ مَالٌ فِي الْمِصْرِ فِي يَدِ أَقْوَامٍ وَهُمْ مُقِرُّونَ بِهِ لِلْمَقْضِيِّ عَلَيْهِ، قَالَ: لَا أَدْفَعُ إلَى الْمُدَّعِي مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا حَتَّى يَحْضُرَ الْمَقْضِيُّ عَلَيْهِ إنْ كَانَ غَائِبًا، أَوْ وَرَثَتُهُ إنْ كَانَ مَيِّتًا؛ لِأَنَّ الْقَاضِيَ نَصَبَ نَاظِرًا وَلَيْسَ مِنْ النَّظَرِ فِي حَقِّ الْغَائِبِ دَفْعُ مَالِهِ إلَى الْمَقْضِيِّ لَهُ فَلَعَلَّ أَنَّهُ قَضَى هَذَا الدَّيْنَ أَوْ وَارِثُهُ فَوَقَفْنَا الْأَمْرَ لِهَذَا كَذَا فِي الْمُحِيطِ. وَفِي نَوَادِرِ ابْنِ سِمَاعَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ- رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى- أَيْضًا، وَإِذَا غَابَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، أَوْ مَاتَ بَعْدَ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ عَلَيْهِ قَبْلَ قَضَاءِ الْقَاضِي، وَقَدْ زُكِّيَتْ الْبَيِّنَةُ فِي السِّرِّ وَالْعَلَانِيَةِ لَا يَقْضِي حَتَّى يَحْضُرَ الْغَائِبُ، أَوْ نَائِبُهُ، أَوْ يَحْضُرَ وَارِثُ الْمَيِّتِ، فَإِذَا حَضَرَ وَاحِدٌ مِنْ هَؤُلَاءِ فَالْقَاضِي يَقْضِي بِتِلْكَ الْبَيِّنَةِ، وَلَا يَحْتَاجُ إلَى إعَادَةِ الْبَيِّنَةِ لِلْقَضَاءِ، وَلَوْ كَانَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَقَرَّ بِمَا ادَّعَاهُ الْمُدَّعِي، ثُمَّ غَابَ فَالْقَاضِي يَقْضِي عَلَيْهِ بِإِقْرَارِهِ فِي حَالِ غَيْبَتِهِ، فَبَعْدَ هَذَا يُنْظَرُ: إنْ كَانَ الْمَقَرُّ بِهِ عَيْنًا فَالْقَاضِي يَأْمُرُ مَنْ فِي يَدَيْهِ بِالتَّسْلِيمِ إذَا كَانَ الَّذِي فِي يَدَيْهِ مُقِرًّا أَنَّهُ مِلْكُ الْمُقِرِّ. وَفِي الدَّيْنِ إذَا ظَفِرَ بِجِنْسِ حَقِّهِ يَأْمُرُهُ بِالْأَخْذِ، وَلَا يَبِيعُ فِي ذَلِكَ الْعُرُوضَ وَالْعَقَارَ، وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ- رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى-، وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ- رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى- وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ- رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى-: لَا يَقْضِي الْقَاضِي حَتَّى يَحْضُرَ الْغَائِبُ فِي الْبَيِّنَةِ وَالْإِقْرَارِ جَمِيعًا، ذُكِرَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ- رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى- هَكَذَا، وَالْمَحْفُوظُ عَنْ أَبِي يُوسُفَ- رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى- وَالْمَذْكُورُ عَنْهُ فِي عَامَّةِ الْكُتُبِ غَيْرُ هَذَا، فَالْمَذْكُورُ عَنْهُ فِي عَامَّةِ الْكُتُبِ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ أَوَّلًا إنَّ الْقَاضِيَ لَا يَقْضِي فِي فَصْلِ الْبَيِّنَةِ حَتَّى يَحْضُرَ الْغَائِبُ، وَفِي فَصْلِ الْإِقْرَارِ يَقْضِي، حَتَّى اُبْتُلِيَ بِالْقَضَاءِ وَقَالَ: يَقْضِي فِيهِمَا جَمِيعًا اسْتَحْسَنَ ذَلِكَ حِفْظًا لِأَمْوَالِ النَّاسِ وَصِيَانَةً لِحُقُوقِهِمْ كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ. قَالَ مُحَمَّدٌ- رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى- فِي الزِّيَادَاتِ: أَمَةٌ فِي يَدَيْ رَجُلٍ يُقَالُ لَهُ عَبْدُ اللَّهِ، فَقَالَ رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ إبْرَاهِيمُ لِرَجُلٍ يُقَالُ لَهُ مُحَمَّدٌ: يَا مُحَمَّدُ الْأَمَةُ الَّتِي فِي يَدِ عَبْدِ اللَّهِ كَانَتْ أَمَتِي بِعْتُهَا مِنْكَ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ وَسَلَّمْتُهَا إلَيْكَ إلَّا أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ قَدْ غَصَبَهَا مِنْكَ وَصَدَّقَهُ مُحَمَّدٌ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ، وَعَبْدُ اللَّهِ يُنْكِرُ ذَلِكَ كُلَّهُ وَيَقُولُ: الْجَارِيَةُ جَارِيَتِي، فَالْقَوْلُ فِي الْجَارِيَةِ قَوْلُ عَبْدِ اللَّهِ وَيُقْضَى بِالثَّمَنِ لِإِبْرَاهِيم عَلَى مُحَمَّدٍ؛ لِأَنَّهُمَا تَصَادَقَا عَلَى الْبَيْعِ وَالتَّسْلِيمِ وَتَصَادُقُهُمَا حُجَّةٌ فِي حَقِّهِمَا، فَلَوْ اسْتَحَقَّ أَحَدٌ الْأَمَةَ فِي يَدِ عَبْدِ اللَّهِ بَعْدَ مَا أَخَذَ إبْرَاهِيمُ الثَّمَنَ مِنْ مُحَمَّدٍ فَأَرَادَ مُحَمَّدٌ أَنْ يَرْجِعَ بِالثَّمَنِ عَلَى إبْرَاهِيمَ وَقَالَ: الْجَارِيَةُ الَّتِي اشْتَرَيْتُهَا مِنْكَ وَرَدَ عَلَيْهَا الِاسْتِحْقَاقُ لَا يُلْتَفَتُ إلَى ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْقَضَاءَ بِالِاسْتِحْقَاقِ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ اقْتَصَرَ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ، وَلَمْ يَتَعَدَّ إلَى مُحَمَّدٍ، وَالْأَصْلُ أَنَّ الْقَضَاءَ بِالْمِلْكِ الْمُطْلَقِ عَلَى ذِي الْيَدِ يَكُونُ قَضَاءً عَلَى ذِي الْيَدِ، وَعَلَى مَنْ تَلَقَّى ذُو الْيَدِ الْمِلْكَ مِنْ جِهَتِهِ، وَلَا يَكُونُ قَضَاءً عَلَى النَّاسِ كَافَّةً، وَذُو الْيَدِ، وَهُوَ عَبْدُ اللَّهِ لَا يَدَّعِي تَلَقِّيَ الْمِلْكِ مِنْ جِهَةِ مُحَمَّدٍ فَلَمْ يَصِرْ مُحَمَّدٌ مَقْضِيًّا عَلَيْهِ بِالْقَضَاءِ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ وَمَا لَمْ يَصِرْ مُحَمَّدٌ مَقْضِيًّا عَلَيْهِ لَا يَرْجِعُ بِالثَّمَنِ عَلَى إبْرَاهِيمَ، وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ مُحَمَّدًا لَمْ يَصِرْ مَقْضِيًّا عَلَيْهِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ أَنَّ مُحَمَّدًا لَوْ أَقَامَ بَيِّنَةً عَلَى الْمُسْتَحِقِّ أَنَّ الْجَارِيَةَ جَارِيَتُهُ اشْتَرَاهَا مِنْ إبْرَاهِيمَ، وَهُوَ يَمْلِكُهَا قُبِلَتْ بَيِّنَتُهُ، وَلَوْ صَارَ مَقْضِيًّا عَلَيْهِ لَمَا قُبِلَتْ بَيِّنَتُهُ، وَكَذَلِكَ لَوْ أَنَّ الَّذِي اسْتَحَقَّهَا عَلَى عَبْدِ اللَّهِ اسْتَحَقَّهَا. بِالنَّتَاجِ بِأَنْ أَقَامَ بَيِّنَةً عَلَى أَنَّهَا جَارِيَتُهُ وُلِدَتْ فِي مِلْكِهِ وَقَضَى الْقَاضِي بِهَا لِلْمُسْتَحِقِّ لَمْ يَرْجِعْ مُحَمَّدٌ بِالثَّمَنِ عَلَى إبْرَاهِيمَ، وَإِنْ ظَهَرَ بِبَيِّنَةِ الْمُسْتَحِقِّ أَنَّ إبْرَاهِيمَ بَاعَ جَارِيَةَ الْغَيْرِ؛ لِأَنَّ الْقَضَاءَ بِالِاسْتِحْقَاقِ اقْتَصَرَ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ، وَلَمْ يَصِرْ مُحَمَّدٌ مَقْضِيًّا عَلَيْهِ. (بَيَانُهُ) وَهُوَ أَنَّ النَّتَاجَ هَاهُنَا غَيْرُ مُحْتَاجٍ إلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَحِقَّ خَارِجٌ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَى الْمِلْكِ الْمُطْلَقِ قُبِلَتْ فَسَقَطَ اعْتِبَارُ دَعْوَى النَّتَاجِ وَبَقِيَ دَعْوَى الْمِلْكِ الْمُطْلَقِ؟ وَفِي دَعْوَى الْمِلْكِ الْمُطْلَقِ لَا يَصِيرُ مُحَمَّدٌ مَقْضِيًّا عَلَيْهِ بِالْقَضَاءِ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ فَكَذَا هُنَا قَالَ فِي الْكِتَابِ: أَلَا يُرَى أَنَّ مُحَمَّدًا لَوْ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَى الْمُسْتَحِقِّ أَنَّ الْجَارِيَةَ جَارِيَتُهُ اشْتَرَاهَا مِنْ إبْرَاهِيمَ بِكَذَا، وَهُوَ يَمْلِكُهَا؟ أَنَّهُ يُقْضَى بِهَا لِمُحَمَّدٍ، وَلَوْ صَارَ مُحَمَّدٌ مَقْضِيًّا عَلَيْهِ بِالْقَضَاءِ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ لَمَا قُضِيَ لَهُ، وَلَوْ أَعَادَ الْمُسْتَحِقُّ الْبَيِّنَةَ عَلَى مُحَمَّدٍ أَنَّهَا أَمَتُهُ وُلِدَتْ فِي مِلْكِهِ قُضِيَ بِهَا لِلْمُسْتَحِقِّ وَتَرَجَّحَتْ بَيِّنَتُهُ عَلَى بَيِّنَةِ مُحَمَّدٍ؛ لِأَنَّ بَيِّنَةَ النَّتَاجِ لَا تُعَارِضُهَا بَيِّنَةُ الْمِلْكِ الْمُطْلَقِ؛ لِأَنَّ بَيِّنَةَ النَّتَاجِ أَكْثَرُ ثَبَاتًا وَيَرْجِعُ مُحَمَّدٌ بِالثَّمَنِ عَلَى إبْرَاهِيمَ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ؛ لِأَنَّ مُحَمَّدًا صَارَ مَقْضِيًّا عَلَيْهِ بِهَذَا الْقَضَاءِ قَالَ: وَلَوْ لَمْ يَسْتَحِقَّ الْجَارِيَةَ أَحَدٌ وَلَكِنْ أَقَامَتْ الْجَارِيَةُ الْبَيِّنَةَ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ أَنَّهَا حُرَّةُ الْأَصْلِ وَقَضَى الْقَاضِي بِحُرِّيَّتِهَا رَجَعَ مُحَمَّدٌ بِالثَّمَنِ عَلَى إبْرَاهِيمَ؛ لِأَنَّ مُحَمَّدًا صَارَ مَقْضِيًّا عَلَيْهِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ وَالْقَضَاءُ بِالْحُرِّيَّةِ وَمَا أُلْحِقَ بِهَا قَضَاءٌ عَلَى النَّاسِ كَافَّةً؛ لِأَنَّ الْحُرِّيَّةَ تَعْلَقُ بِهَا أَحْكَامٌ مُتَعَدِّيَةٌ إلَى. النَّاسِ مِنْ أَهْلِيَّةِ الشَّهَادَةِ وَالْقَضَاءِ وَالْوِلَايَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ فَانْتَصَبَ ذُو الْيَدِ خَصْمًا عَنْ النَّاسِ كَافَّةً فَكَانَ الْقَضَاءُ عَلَى ذِي الْيَدِ قَضَاءً عَلَى النَّاسِ كَافَّةً، أَمَّا الْمِلْكُ الْمُطْلَقُ فَلَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ أَحْكَامٌ مُتَعَدِّيَةٌ إلَى النَّاسِ كَافَّةً فَلَمْ يَنْتَصِبْ ذُو الْيَدِ خَصْمًا عَنْ النَّاسِ كَافَّةً، وَكَذَلِكَ لَوْ أَقَامَتْ الْبَيِّنَةَ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ أَنَّهَا كَانَتْ أَمَتَهُ أَعْتَقَهَا وَقَضَى الْقَاضِي بِذَلِكَ رَجَعَ مُحَمَّدٌ بِالثَّمَنِ عَلَى إبْرَاهِيمَ فَهَذَا وَالْقَضَاءُ بِحُرِّيَّةِ الْأَصْلِ سَوَاءٌ كَذَا فِي الْمُحِيطِ. أَمَّا الْقَضَاءُ بِالْوَقْفِيَّةِ عَلَى ذِي الْيَدِ هَلْ يَكُونُ قَضَاءً عَلَى النَّاسِ كَافَّةً؟ حُكِيَ عَنْ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيِّ وَالْقَاضِي الْإِمَامِ رُكْنِ الْإِسْلَامِ أَنَّهُ يَكُونُ قَضَاءً عَلَى النَّاسِ كَافَّةً حَتَّى لَوْ ادَّعَى رَجُلٌ هَذِهِ الْأَرْضَ لِنَفْسِهِ لَا تُسْمَعُ دَعْوَاهُ، أَلْحَقَاهُ بِالْقَضَاءِ بِحُرِّيَّةِ الْأَصْلِ. وَفِي فَتَاوَى أَبِي اللَّيْثِ أَنَّهُ لَا يَكُونُ قَضَاءً عَلَى النَّاسِ حَتَّى لَوْ ادَّعَى رَجُلٌ بَعْدَ ذَلِكَ الْأَرْضَ لِنَفْسِهِ مِلْكًا مُطْلَقًا تُسْمَعُ دَعْوَاهُ وَأَلْحَقَهُ بِالْقَضَاءِ بِالْمِلْكِ الْمُطْلَقِ وَبِهِ أَخَذَ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ- رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى- كَذَا فِي الْمُلْتَقَطِ. ادَّعَى رَجُلٌ دَارًا فِي يَدَيْ رَجُلٍ أَنَّ أَبَاهُ مَاتَ وَتَرَكَهَا مِيرَاثًا لَهُ وَلِأَخِيهِ فُلَانٍ، وَأَخُوهُ مُنْكِرٌ دَعْوَاهُ وَزَعَمَ أَنَّهُ لَا شَيْءَ لَهُ مِنْ الدَّارِ، فَأَقَامَ الْمُدَّعِي بَيِّنَةً عَلَى دَعْوَاهُ وَقُضِيَ لَهُ بِنِصْفِ الدَّارِ، ثُمَّ رَجَعَ أَخُوهُ إلَى تَصْدِيقِهِ لَمْ يُقْضَ لَهُ بِشَيْءٍ، فَإِنْ جَاءَ الْغَرِيمُ لِلْمَيِّتِ بَعْدَ ذَلِكَ وَأَثْبَتَ دَيْنَهُ بِمَحْضَرٍ مِنْ الْوَارِثِ بِبَيِّنَتِهِ وَسَأَلَ الْقَاضِيَ أَنْ يَقْضِيَ لِلْمَيِّتِ بِالدَّارِ فَإِنَّ الْقَاضِيَ يَسْتَقْبِلُ الْقَضَاءَ فَيَقْضِي لِلْمَيِّتِ بِالدَّارِ كُلِّهَا بِالشَّهَادَةِ الْأُولَى وَتُبَاعُ الدَّارُ وَيَقْضِي الْغَرِيمَ حَقَّهُ مِنْ ثَمَنِهَا، فَإِنْ فَضَلَ شَيْءٌ مِنْ ثَمَنِهَا يَجْعَلُ نِصْفَهَا لِلِابْنِ الْمُدَّعِي وَيَرُدُّ الْبَاقِيَ عَلَى الْمَقْضِيِّ عَلَيْهِ بِالدَّارِ، وَلَا أَجْعَلُ لِلِابْنِ الْمُنْكِرِ مِنْ الْفَضْلِ شَيْئًا كَذَا فِي الْمُحِيطِ. ذَكَرَ فِي شَهَادَاتِ الْجَامِعِ أَنَّ فِي دَعْوَى الْعَيْنِ أَحَدُ الْوَرَثَةِ إنَّمَا يَنْتَصِبُ خَصْمًا عَنْ الْمَيِّتِ لِلْمُدَّعِي فِي عَيْنٍ هِيَ فِي يَدِ ذَلِكَ الْوَارِثِ لَا فِي عَيْنٍ لَيْسَتْ فِي يَدِهِ حَتَّى أَنَّ مَنْ ادَّعَى عَيْنًا مِنْ التَّرِكَةِ وَأَحْضَرَ وَارِثًا لَيْسَتْ تِلْكَ الْعَيْنُ فِي يَدِ هَذَا الْوَارِثِ الَّذِي أَحْضَرَهُ لَا يَسْمَعُ دَعْوَاهُ عَلَيْهِ وَفِي دَعْوَى الدَّيْنِ أَحَدُ الْوَرَثَةِ يَنْتَصِبُ خَصْمًا عَنْ الْمَيِّتِ، وَإِنْ لَمْ يَصِلْ إلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ التَّرِكَةِ. قَالَ: إذَا ادَّعَى رَجُلٌ عَلَى غَيْرِهِ أَنَّكَ كَفَلْتَ لِي عَنْ فُلَانٍ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ لِي عَلَيْهِ بِأَمْرِهِ وَجَحَدَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ الْكَفَالَةَ وَأَقَامَ الْمُدَّعِي بَيِّنَةً عَلَى دَعْوَاهُ فَالْقَاضِي يَقْضِي بِالْمَالِ عَلَى الْكَفِيلِ، وَهَذَا ظَاهِرٌ حَتَّى لَوْ حَضَرَ الْأَصِيلُ وَأَنْكَرَ مَا ادَّعَاهُ الْمُدَّعِي كَانَ لِلْكَفِيلِ أَنْ يَرْجِعَ عَلَيْهِ بِالْمَالِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَحْتَاجَ إلَى إعَادَةِ الْبَيِّنَةِ عَلَيْهِ، فَإِنْ حَضَرَ الْغَائِبُ قَبْلَ دَفْعِ الْكَفِيلِ الْمَالَ إلَى الْمُدَّعِي كَانَ لِلْمُدَّعِي الْخِيَارُ إنْ شَاءَ طَالَبَ الْكَفِيلَ بِالْمَالِ، وَإِنْ شَاءَ طَالَبَ الْأَصِيلَ، وَمَتَى أَدَّى الْكَفِيلُ يَرْجِعُ عَلَى الْأَصِيلِ بِمَا أَدَّى، وَلَا يَحْتَاجُ إلَى إعَادَةِ الْبَيِّنَةِ، وَلَا يَكُونُ لِلْأَصِيلِ أَنْ يَحْتَجَّ عَلَى الْكَفِيلِ بِإِنْكَارِ الْكَفَالَةِ، وَالْأَمْرُ بِبُطْلَانِ جُحُودِهِ لِجَرَيَانِ الْحُكْمِ عَلَيْهِ بِخِلَافِ ذَلِكَ. وَلَوْ كَانَ الْمُدَّعِي ادَّعَى الْكَفَالَةَ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ، وَلَمْ يَدَّعِ الْأَمْرَ وَأَقَامَ بَيِّنَةً عَلَى دَعْوَاهُ وَقَضَى الْقَاضِي عَلَى الْكَفِيلِ بِالْمَالِ لَا يَتَعَدَّى ذَلِكَ الْقَضَاءُ إلَى الْغَائِبِ حَتَّى لَوْ حَضَرَ لَا يَكُونُ لِأَحَدٍ عَلَيْهِ سَبِيلٌ إلَّا بَعْدَ إعَادَةِ الْبَيِّنَةِ. هَذَا إذَا كَانَتْ الْخُصُومَةُ بَيْنَ الطَّالِبِ وَالْكَفِيلِ، وَقَدْ ادَّعَاهُ الطَّالِبُ كَفَالَةً مُفَسَّرَةً، فَأَمَّا إذَا كَانَتْ الْخُصُومَةُ بَيْنَ الطَّالِبِ وَالْكَفِيلِ، وَقَدْ ادَّعَاهُ كَفَالَةً مُبْهَمَةً بِأَنْ قَالَ: كَفَلْتَ لِي عَنْ فُلَانٍ بِكُلِّ مَالِي، وَلَمْ يُقَدِّرْهُ بِتَقْدِيرٍ بَلْ أَبْهَمَهُ وَأَطْلَقَهُ وَجَحَدَ الْكَفِيلُ ذَلِكَ فَأَقَامَ الْمُدَّعِي بَيِّنَةً عَلَى دَعْوَاهُ أَنَّ لَهُ عَلَى فُلَانٍ أَلْفُ دِرْهَمٍ كَانَتْ قَبْلَ الْكَفَالَةِ قُبِلَتْ بَيِّنَتُهُ وَقُضِيَ بِالْمَالِ عَلَى الْكَفِيلِ وَتَعَدَّى الْقَضَاءُ إلَى الْمَكْفُولِ عَنْهُ الْغَائِبِ حَتَّى لَوْ حَضَرَ كَانَ لِلطَّالِبِ أَنْ يُطَالِبَهُ سَوَاءٌ ادَّعَى الطَّالِبُ الْكَفَالَةَ بِأَمْرِهِ أَوْ بِغَيْرِ أَمْرِهِ غَيْرَ أَنَّهُ إنْ ادَّعَى. الْكَفَالَةَ بِأَمْرِهِ فَالْكَفِيلُ يَرْجِعُ بِمَا ادَّعَى عَلَى الْمَكْفُولِ عَنْهُ، وَإِنْ ادَّعَى الْكَفَالَةَ بِغَيْرِ أَمْرِهِ فَالْكَفِيلُ لَا يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِمَا أَدَّى، أَمَّا فِي حَقِّ وُجُوبِ الْمَالِ لِلطَّالِبِ فَدَعْوَى الْأَمْرِ وَعَدَمِهِ عَلَى السَّوَاءِ. وَكُلُّ جَوَابٍ عَرَفْتَهُ فِي الْكَفَالَةِ فَهُوَ الْجَوَابُ فِي الْحَوَالَةِ، هَذَا إذَا كَانَتْ الْخُصُومَةُ بَيْنَ الطَّالِبِ وَالْكَفِيلِ وَالْمَكْفُولُ عَنْهُ غَائِبٌ، وَأَمَّا إذَا كَانَتْ الْخُصُومَةُ بَيْنَ الْكَفِيلِ وَالْمَكْفُولِ عَنْهُ وَالطَّالِبُ غَائِبٌ بِأَنْ ادَّعَى رَجُلٌ وَقَالَ: إنِّي كَفَلْتُ عَنْكَ لِفُلَانٍ بِكَذَا بِأَمْرِكَ وَقَضَيْتُهُ ذَلِكَ عَنْكَ فَالْآنَ أَرْجِعُ عَلَيْكَ بِذَلِكَ، وَجَحَدَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ دَعْوَاهُ ذَلِكَ كُلَّهُ، أَوْ أَقَرَّ بِالْكَفَالَةِ بِالْأَمْرِ وَلَكِنْ أَنْكَرَ الْقَضَاءَ وَأَقَامَ الْمُدَّعِي بَيِّنَةً عَلَى دَعْوَاهُ فَالْقَاضِي يَقْضِي بِالْمَالِ لِلْكَفِيلِ عَلَى الْمَكْفُولِ عَنْهُ لِإِثْبَاتِهِ ذَلِكَ بِالْحُجَّةِ وَيَكُونُ ذَلِكَ قَضَاءً عَلَى الطَّالِبِ الْغَائِبِ حَتَّى لَوْ حَضَرَ وَأَنْكَرَ الْقَبْضَ لَا يُلْتَفَتُ إلَى إنْكَارِهِ، وَالْجَوَابُ فِي الْحَوَالَةِ نَظِيرُ الْجَوَابِ فِي الْكَفَالَةِ. قَالَ: وَإِذَا قَالَ الرَّجُلُ لِغَيْرِهِ: اضْمَنْ لِفُلَانٍ عَنِّي ثَمَنَ مَا بَايَعَنِي بِهِ، أَوْ مَا دَايَنَنِي أَوْ مَا أَقْرَضَنِي فَفَعَلَ ذَلِكَ وَغَابَ الْمَكْفُولُ عَنْهُ، ثُمَّ أَقَامَ الْمَكْفُولُ لَهُ بَيِّنَةً عَلَى مُبَايَعَتِهِ، أَوْ مُدَايَنَتِهِ، أَوْ إقْرَاضِهِ إيَّاهُ بَعْدَ كَفَالَةِ هَذَا الْكَفِيلِ وَالْكَفِيلُ يَجْحَدُ ذَلِكَ كُلَّهُ قَضَى الْقَاضِي عَلَى الْكَفِيلِ بِالْمَالِ وَيَكُونُ ذَلِكَ قَضَاءً عَلَى الْمَكْفُولِ عَنْهُ الْغَائِبِ حَتَّى لَوْ حَضَرَ وَجَحَدَ مَا ادَّعَاهُ الْمَكْفُولُ عَنْهُ لَا يُلْتَفَتُ إلَى جُحُودِهِ، وَيَلْزَمُهُ الْمَالُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَحْتَاجَ الْمَكْفُولُ لَهُ إلَى إعَادَةِ الْبَيِّنَةِ، وَإِنْ غَابَ الْمَكْفُولُ لَهُ وَحَضَرَ الْمَكْفُولُ عَنْهُ فَادَّعَى الْكَفِيلُ عَلَى الْمَكْفُولِ عَنْهُ أَنَّ الْمَكْفُولَ لَهُ قَدْ دَايَنَكَ أَلْفَ دِرْهَمٍ وَأَنِّي قَضَيْتُ عَنْكَ عَنْ الْكَفَالَةِ الَّتِي أَمَرْتَنِي بِهَا، وَجَحَدَ الْأَصِيلُ ذَلِكَ كُلَّهُ، أَوْ أَقَرَّ بِالْمُدَايَنَةِ وَلَكِنْ جَحَدَ الْقَضَاءَ وَأَقَامَ عَلَيْهِ الْكَفِيلُ الْبَيِّنَةَ بِذَلِكَ قَضَى الْقَاضِي بِالْمَالِ لِلْكَفِيلِ عَلَى الْمَكْفُولِ عَنْهُ لِثُبُوتِ الْأَدَاءِ مِنْ الْكَفِيلِ بَعْدَ الْمُدَايَنَةِ بِالْبَيِّنَةِ الْعَادِلَةِ وَيَكُونُ قَضَاءً عَلَى الْمَكْفُولِ لَهُ كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ. ذَكَرَ فِي فَتَاوَى رَشِيدِ الدِّينِ لَوْ طَالَبَ رَبُّ الدَّيْنِ الْكَفِيلَ بِالدَّيْنِ فَقَالَ الْكَفِيلُ إنَّ الْمَدْيُونَ أَدَّاهُ، وَالْمَدْيُونُ غَائِبٌ فَأَقَامَ الْكَفِيلُ بَيِّنَةً عَلَى أَدَاءِ مَالِ الْمَدْيُونِ تُقْبَلُ وَيَنْتَصِبُ الْكَفِيلُ خَصْمًا عَلَى الْمَدْيُونِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ دَفْعُ رَبِّ الْمَالِ إلَّا بِهَذَا فَيَنْتَصِبُ خَصْمًا كَذَا فِي الْفُصُولِ الْعِمَادِيَّةِ. هِشَامٌ عَنْ مُحَمَّدٍ- رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى- قَالَ سَأَلْتُ مُحَمَّدًا- رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى- عَنْ قَنَاةٍ فِي قَوْمٍ كَثِيرِينَ فِيهِمْ الشَّاهِدُ وَالْغَائِبُ وَالصَّغِيرُ وَالْكَبِيرُ فَأَقَامَ رَجُلٌ الْبَيِّنَةَ عَلَى بَعْضِهِمْ أَنَّهُمْ احْتَفَرُوا هَذِهِ الْقَنَاةَ فِي أَرْضِهِ غَصْبًا وَهُمْ قَوْمٌ كَثِيرُونَ لَا نَقْدِرُ عَلَى أَنْ نَجْمَعَهُمْ قَالَ جَعَلْتُ لَهُمْ وَكِيلًا وَقَضَيْتُ عَلَى وَكِيلِهِمْ كَذَا فِي الْمُحِيطِ. رَجُلٌ بَاعَ مِنْ رَجُلٍ نِصْفَ الْعَبْدِ بِمِائَةِ دِينَارٍ وَأَوْدَعَهُ نِصْفَهُ، ثُمَّ غَابَ الْبَائِعُ فَجَاءَ رَجُلٌ وَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ أَنَّ لَهُ نِصْفَ الْعَبْدِ فَلَا خُصُومَةَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُشْتَرِي إذَا أَقَامَ الْمُشْتَرِي الْبَيِّنَةَ عَلَى مَا كَانَ مِنْ الْبَائِعِ؛ لِأَنَّ كُلَّ بَائِعٍ فِي دَارِ الدُّنْيَا إذَا بَاعَ يَنْصَرِفُ بِبَيْعِهِ إلَى مِلْكِ نَفْسِهِ دُونَ مِلْكِ شَرِيكِهِ وَظَهَرَ أَنَّ الْمُسْتَحِقَّ شَرِيكُ الْبَائِعِ وَالْإِيدَاعَ حَصَلَ فِي النِّصْفِ الْمَقْضِيِّ بِهِ، فَالِاسْتِحْقَاقُ وَرَدَ عَلَى الْوَدِيعَةِ، وَالْمُودِعُ لَا يَنْتَصِبُ خَصْمًا كَذَا فِي الْفُصُولِ الْعِمَادِيَّةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
|